السبت، 18 أبريل 2009

الخنساء

مولدها:
هي تماضر بنت عمرو بن الحرث بن الشريد السلمية، ولدت سنة 575 للميلاد ، لقبت بالخنساء لقصر أنفها وارتفاع أرنبتيه. عرفت بحرية الرأي وقوة الشخصية ونستدل على ذلك من خلال نشأتها في بيت عـز وجاه مع والدها وأخويها معاوية وصخر، والقصائد التي كانت تتفاخر بها بكرمهما وجودهما، وأيضا أثبتت قوة شخصيتها برفضها الزواج من دريد بن الصمة أحد فرسان بني جشم ؛ لأنها آثرت الزواج من أحد بني قومها، فتزوجت من ابن عمها رواحة بن عبد العزيز السلمي، إلا أنها لم تدم طويلا معه ؛ لأنه كان يقامر ولا يكترث بماله،لكنها أنجبت منه ولدا ، ثم تزوجت بعدها من ابن عمها مرداس بن أبي عامر السلمي ، وأنجبت منه أربعة أولاد، وهم يزيد ومعاوية وعمرو وعمرة. وتعد الخنساء من المخضرمين ؛ لأنها عاشت في عصرين : عصر الجاهلية وعصر الإسلام
مأساتها:
في عام 612، قتل هاشم ودريد ابنا حرملة أخاها معاوية. قامت الخنساء بتحريض أخيها الأصغر صخر بالثأر، واستطاع الأخير قتل دريد انتقاماً لأخيه، ولكنه أصيب وتوفي في عام 615. وقيل أن الخنساء أصيبت بالعمى من شدة بكائها على موت أخيها. و صخر هو أخو الخنساء من أبيها ، و برغم أنه كان لها أخ شقيق قد قتل قبل صخر – وهو شقيقها معاوية بن عمرو الذي رثته أيضا. و كان صخر هو أحب أخوات الخنساء إلى قلبها- حيث كان حليماً جوداً محبوباً بين أبناء العشيرة، و كان يقف دائما إلى جانبها يمد لها يد العون ويرعاها. و لما قتل أخوها صخر ظلت ترثيه ، و ذاع صيت مرثيتها أو بكائيتها بين العرب حيث أصبحت مرثيتها الحزينة الأكثر تداولا من باقي أشعارها.
سبب التسمية:
كان بأنفها ارتفاع قليل في طرفه مع انخفاض قصبته. فنوديت خنساء وخناس لقبّت الحنساء أيضا بـ الخنساء البقرة الوحشية، نسبة إلى عيون البقر الوحشي و التي كانت من أجمل العيون في ناظر العرب. أو الخنساءالظبية في إشارة إلى جمال الضباء.
شاعريتها:
تعـد الخنساء من الشعراء المخضرمين ، تفجر شعرها بعد مقتل أخويها صخر ومعاوية ، وخصوصا أخوها صخر ، فقد كانت تحبه حبا لا يوصف ، ورثته رثاء حزينا وبالغت فيه حتى عدت أعظم شعراء الرثاء. ويغلب على شعر الخنساء البكاء والتفجع والمدح والتكرار؛ لأنها سارت على وتيرة واحدة ، ألا وهي وتيرة الحزن والأسى وذرف الدموع ، وعاطفتها صادقة نابعة من أحاسيسها الصادقة ونلاحظ ذلك من خلال أشعارها. وهناك بعض الأقوال والآراء التي وردت عن أشعار الخنساء ومنها :
يغلب عند علماء الشعر على أنه لم تكن امرأة قبلها ولا بعدها أشعر منها. كان بشار يقول: إنه لم تكن امرأة تقول الشعر إلا يظهر فيه ضعف، فقيل له: وهل الخنساء كذلك، فقال تلك التي غلبت الرجال.
قال نابغة الذبياني: (( الخنساء أشعر الجن والإنس)).
إسلامها:
حينما علمت ببعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، قدمت على النبي مع قومها بني سليم فأسلمت معهم. وقيل أن رسول الإسلام محمد بن عبد الله صلى الله عليه و سلم كان يعجب بشعرها. و لعل موقفها يوم القادسية لخير دليل على صبرها وثباتها و حسن ايمانها، فقد خرجت في هذه المعركة مع المسلمين في عهد عمر ومعها أبناؤها الأربعة و هم عمرة، عمرو، معاوية و يزيد. و هناك وقبل بدء القتال أوصتهم فقالت : يا بني لقد أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، ووالله الذي لا إله إلا هو إنكم بنو امرأة واحدة ، ما خنت أباكم ، ولا فضحت خالكم ... إلى أن قالت : فإذا أصبحتم غداً إن شاء الله سالمين ، فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين ، وبالله على أعدائه مستنصرين ، فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها ، وجعلت ناراً على أوراقها ، فتيمموا وطيسها ، وجالدوا رئيسها عند احتدام خميسها ، تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة. و عندما دارت المعركة استشهد أولادها الأربعة واحداً بعد واحد ، و حينما بلغ الخنساء خير مقتل أبنائها الأربعة قالت : (الحمد لله الذي شرفني بقتلهم ، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته).
وفاتها:
ماتت الخنساء مع مطلع خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه سنة 664 ميلادية.
من شعرها:

قَذىً بِعَينِكِ أَم بِالعَينِ عُوّارُ
أَم ذَرَفَت إِذ خَلَت مِن أَهلِها الدارُ
كَأَنَّ عَيني لِذِكراهُ إِذا خَطَرَت
فَيضٌ يَسيلُ عَلى الخَدَّينِ مِدرارُ
تَبكي لِصَخرٍ هِيَ العَبرى وَقَد وَلَهَت
وَدونَهُ مِن جَديدِ التُربِ أَستارُ
تَبكي خُناسٌ فَما تَنفَكُّ ما عَمَرَت
لَها عَلَيهِ رَنينٌ وَهيَ مِفتارُ
تَبكي خُناسٌ عَلى صَخرٍ وَحُقَّ لَها
إِذ رابَها الدَهرُ إِنَّ الدَهرَ ضَرّارُ
لا بُدَّ مِن ميتَةٍ في صَرفِها عِبَرٌ
وَالدَهرُ في صَرفِهِ حَولٌ وَأَطوارُ
قَد كانَ فيكُم أَبو عَمروٍ يَسودُكُمُ
نِعمَ المُعَمَّمُ لِلداعينَ نَصّارُ
صُلبُ النَحيزَةِ وَهّابٌ إِذا مَنَعوا
وَفي الحُروبِ جَريءُ الصَدرِ مِهصارُ
يا صَخرُ وَرّادَ ماءٍ قَد تَناذَرَهُ
أَهلُ المَوارِدِ ما في وِردِهِ عارُ
مَشى السَبَنتى إِلى هَيجاءَ مُعضِلَةٍ
لَهُ سِلاحانِ أَنيابٌ وَأَظفارُ
وَما عَجولٌ عَلى بَوٍّ تُطيفُ بِهِ
لَها حَنينانِ إِعلانٌ وَإِسرارُ
تَرتَعُ ما رَتَعَت حَتّى إِذا اِدَّكَرَت
فَإِنَّما هِيَ إِقبالٌ وَإِدبارُ
لا تَسمَنُ الدَهرَ في أَرضٍ وَإِن رَتَعَت
فَإِنَّما هِيَ تَحنانٌ وَتَسجارُ
يَوماً بِأَوجَدَ مِنّي يَومَ فارَقَني
صَخرٌ وَلِلدَهرِ إِحلاءٌ وَإِمرارُ
وَإِنَّ صَخراً لَوالِينا وَسَيِّدُنا
وَإِنَّ صَخراً إِذا نَشتو لَنَحّارُ
وَإِنَّ صَخراً لَمِقدامٌ إِذا رَكِبوا
وَإِنَّ صَخراً إِذا جاعوا لَعَقّارُ
وَإِنَّ صَخراً لَتَأتَمَّ الهُداةُ بِهِ
كَأَنَّهُ عَلَمٌ في رَأسِهِ نارُ
جَلدٌ جَميلُ المُحَيّا كامِلٌ وَرِعٌ
وَلِلحُروبِ غَداةَ الرَوعِ مِسعارُ
حَمّالُ أَلوِيَةٍ هَبّاطُ أَودِيَةٍ
شَهّادُ أَندِيَةٍ لِلجَيشِ جَرّارُ
نَحّارُ راغِيَةٍ مِلجاءُ طاغِيَةٍ
فَكّاكُ عانِيَةٍ لِلعَظمِ جَبّارُ
فَقُلتُ لَمّا رَأَيتُ الدَهرَ لَيسَ لَهُ
مُعاتِبٌ وَحدَهُ يُسدي وَنَيّارُ
لَقَد نَعى اِبنُ نَهيكٍ لي أَخا ثِقَةٍ
كانَت تُرَجَّمُ عَنهُ قَبلُ أَخبارُ
فَبِتُّ ساهِرَةً لِلنَجمِ أَرقُبُهُ
حَتّى أَتى دونَ غَورِ النَجمِ أَستارُ
لَم تَرَهُ جارَةٌ يَمشي بِساحَتِها
لِريبَةٍ حينَ يُخلي بَيتَهُ الجارُ
وَلا تَراهُ وَما في البَيتِ يَأكُلُهُ
لَكِنَّهُ بارِزٌ بِالصَحنِ مِهمارُ
وَمُطعِمُ القَومِ شَحماً عِندَ مَسغَبِهِم
وَفي الجُدوبِ كَريمُ الجَدِّ ميسارُ
قَد كانَ خالِصَتي مِن كُلِّ ذي نَسَبٍ
فَقَد أُصيبَ فَما لِلعَيشِ أَوطارُ

ليست هناك تعليقات: